ذلك في شَهْرِ رَمضانَ وفي أيَّامِ المواسم الحافِلةِ، حين كانَ أهلُه

يَتَّخِذون ألوانًا من الطعامِ حُلْوةً، ولكنها تُوكل بالملاعِقِ ؛

فكان يأبَى أن يُصيبَ منها على المائدة. وكانت أُمُّه تكرَهَ له

هذا الْحِرمانَ، فكانت تُفْرِد له طَبَقًا خاصًّا وتُخْلي بينه وبينه

في حُجْرةٍ خاصَّة، يُغْلِقُها هو من دونِه حتى لايَستَطيعَ أحد

أن يُشْرِفَ عليه وهو يَأْكُل.

على أنه عندما استطاعَ أن يملِك أمرَ نفسِه اتَّخَذَ هذه

الخُطَّةَ له نِظامًا. بَدَأَ بذلك حين سافَر إِلى أوربا لأوَّلِ مرّة،

فتكلَّفَ التعبَ وأبى أن يذهَبَ إلى مائِدَةِ السفينةِ، فكان

يُحْمَلُ إليه الطعامُ في غُرْفَتِهِ. ثم وصلَ إلى فرنسا فكانت

قاعدته إذا نزلَ في فُنْدُق أو في اسْرة أن يُحْمَلَ إليه الطعامُ

في غرفته دونَ أَن يتكلَّفَ الذهابَ إلى المائدةِ العا!مَّةِ. ولم

يتركْ هذه العادَةَ إلا حينَ خطَبَ قرينَتَهُ، فأَخْرَجَتْهُ من

عادات كثيرة كان قد أَلِفها.

هذه الحادثةُ أخذتْه بألوان من الشِّدَّةِ في حياتِهِ، جَعَلَتْهُ

مَضْربَ المثلِ في الأُسرةِ وبين الذين عَرَفوه حينَ تجاوَزَ حياةَ

الأسرةِ إلى الحياةِ الاجتماعية. كان قليلَ الأكلِ لا لانهُ كان

قليلَ الميلِ إلى الطّعامِ، بل لأنه كان يخشى- أن يوصفَ بالشَّرَهِ

 25  
 الصفحة السابقة    الصفحة التالية