وقالَ: نَعَمْ قاتل اللّه الشرَهَ! ثم حَرمَ الدبسَ على نفسِه طَوَالَ الحياة. ؤاعانَتْه هذه الحادثةُ على أن يَفهَمَ طَوْرا من أطوارِ أبى العلاءِ حَق الفهمِ. ذلك أنَّ أبا العلاء كانَ يَتَسَتَّر في أكلِهِ حتى على خادمِه، فقدكان يأكُلُ في نَفَقٍ  (1) تحتَ الأرض، وكان يأمُر خادمَهُ أن يُعِدُّ له طعامَه في هذا النفقِ ثم يخرجُ، ويخلو هو إلى طعامِهِ فيأخذُ منهُ ما يَشْتَهي. وقد زعموا أنَّ تلاميذَهُ تذاكَروا مَرَّةً بِطيخَ حَلَبَ وجَوْدَتَهُ، فتكلَّفَ أبو العلاءِ وأرسلَ إلى حَلَبَ مَنِ اشْتَرَى لهم منه شيئًا فأَكَلُوا. واحتفظَ الخادمُ لسيِّدِهِ بشيء من البطيخ وضعَه في النَّفَق، وكأنه لم يَضَعْهُ في المكان الذي تعوَّدَ أن يضعَ فيه طَعَامَ الشيخ، وكَرِهَ الشيخُ أَن يَسأَلَ عن حَظٍّه من البِطيخ، فلبِثَ البِطٍّيخُ في مَكانِهِ حتى فَسَدَ ولم يَذُقْهُ الشيخ.
 فَهِمَ صاحبُنا هذه الأطوارَ من حياةِ أبي العلاء حقَّ الفهم ؛ لأنه رأَى نفسَهُ فيها. فَكَمْ كان يتمنَّى طِفْلاً لَوِ اسْتطاعَ أَنْ يَخلوَ إِلى طعامِهِ، ولكنَّهُ لم يكن يَجْرُؤ على أن يعْلِنَ إلى أهله هذِه الرغبةَ. على أنَّه خَلا إلى بعضِ الطَّعامِ أحيانًا كثيرة،
 
(1النفق: الحفير تحت الأرض.

24