من أعيان الأتاسية

الشهيد الطيار محيي الدين بن عبدالوهاب بن حسن بن سعيد الأتاسي

استشهد صائما في سبيل فلسطين

1925-1948م

 

السيد الشهيد محي الدين بن عبدالوهاب بن عبدالرحمن بن حسن بن سعيد الأتاسي، بطل من أبطال البلاد الشامية، وقائد من من قواد الثورات على الأعداء.  ترجم له المؤرخ السيد أدهم الجندي الحمصي في كتابه "تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي" فقال:

"هو ابن المجاهد المرحوم عبدالوهاب الأتاسي، ولد بدمشق سنة 1925م، عاش الفتى الشهيد في رعاية أبيه، والحياة حوله عسكرية بكل ما فيها، فقد كان والده ضابطاً يتحدث إليه عن اليمن وحروبها وعن معارك جناق قلعة وعن الثورة السورية، وشب الفتى وفي قلبه ثورة، وعلى لسانه ثورات، وكم شهدت تجهيز دمشق الأولى هذا الفتى اليافع يقود مظاهرات الطلاب، ويهتف بسقوط فرنسا خلال ثلاث سنوات كاملة تبدأ منذ عام 1939م، وكان عام 1942م فترة تحول في حياة الشاب المناضل، ولأسباب قاهرة قطع الفتى تحصيله وغادر المدرسة، والتحق بسلاح الطيران الفرنسي، وتخصص في ميكانيك الطيران حتى حل عام 1946م، وفي الرابع من شهر حزيارن سنة 1946م فر الشهيد والتحق بالقوى الوطنية، وكان يوم فلسطين، وكان جيش الانقاذ، فاستأذن من أمه بالالتحاق بجيش الشرف، ولكن أمه منعته بحزم وإصرار وهي تخشى على ابنها غائلة الموت، ولكن للقدر موعداً لا يخلفه، ومن أقواله لأمه بعد إحدى غاراته الموفقة: (يا أم، لو أن كل أم منعت ولدها من الاشتراك في ساحات الجهاد فمن ذا الذي يدافع عن الوطن؟). 

معركة استشهاده: خرج مع ثلاثة أسراب، وفي كل سرب أربع طائرات، ويمم شطر فلسطين، وعند مستعمرة برادا تصدت لطائرته طائرة اسرائيلية فانطلق يداورها ويتربص بها لحظة ضعف وينتظر منها بادرة تمكنه من تدميرها، ولكن طائرته أصيبت فجأة إصابة مباشرة في مركز مدفعها، وكان نصيب الشهيد بعض الطلقات تتوزع أنحاء صدره، فغاب لحظات عن الوعي، واتجه إلى سماء المعركة، وعند الحدود التقى ثانية بالطائرة العدوة فأسقطها قرب القنيطرة، وكان ملاحوها جميعاً من الانجليز والأميركان، وحطت طائرة البطل على أرض المطار، فحمل إلى المستشفى الوطني بدمشق غارقاً بدمائه الطاهرة في محاولة لانقاذه، وكان صائماً، وبذل الأطباء جهدهم، وقال لأبيه: لا تحزن يا أبي، وصعدت روحه إلى خالقها مساء يوم الأحد في 11 تموز سنة 1948م.  وآلى الثرى بمقبرة قاسيون بدمشق، ووقف آمر السلاح على قبره يؤبنه ويشيد ببطولته الخارقة، ويتلو ترفيعه إلى رتبة ملازم، ومنحه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، بينما كان والد الشهيد إلى جانبه، وقد تجمل بالصبر فلم تدمع له عين على فلذة كبده لأنه أدى فريضة الجهاد والدم لوطنه وكتب له الخلود".  انتهى الكلام للسيد الجندي[1].

لقد أبى الأتاسي إلا أن يعود بالطائرة السورية سليمة بعد إصابته فيهبط بها على أرض بلاده فلا يحظى بها اليهود، وكلفته هذه العملية حياته، وحمل إلى مستشفى دمشق، واستشهد هنالك بعد أن استنزفت جروحه آخر رمق من روحه، فضرب مثالاً أعلى، وصار قدوة أسمى لكل المقاتلين والمجاهدين.  واعترفت به بلاده بطلاً قومياً قل أن يتواجد من هو في مثل تضحيته وبذله، وأطلق اسمه على إحدى الطائرات بالمتحف الحربي بدمشق[2]

ورثاه بعض أقاربه من آل الأتاسي أثناء دفن الشهيد بقصيدة عنوانها النسر الأتاسي قال فيها[3]:

 


 

جدثٌ لمحي الدين كعبة قصدنا
قد قام يدفع عن دمشق وآلها
فغدى يحلق مثل نسر في السما
فجلاهم عنها وشتت شملهم
فأتاه من نفس القضاء شظية
فغدى شهيداً وهو في شرخ الصبا
لم تكتمل عين الزمان بمثله
يا كوكباً لم يوف دورة أفقه
لما خبا تاريخه زاك أتى
نسعى لتقبيل الثرى المعطار
ما خبأته لهم يد الأشرار
ويبيدهم برصاصه المدرار
حتى غدوا أثراً من الأثار
خمدت بها نفس الفتى المغوار
فأثابه مولاه دار قرار
وهو الذي ملأ الدنا بفخار
حتى غدا ضمن الثرى المنهار
ولقد حكيت كواكب الأسحار



أما والدة الشهيد الأتاسي فهي السيدة خيرية بنت محمد علي بن حسن بن سعيد الأتاسي كما في الشجرة الوليدية. رحمه الله وحشره مع الصديقين والشهداء، وأدخله فسيح جناته الغناء.


 

[1] تاريخ الثورات السورية-الجندي-ص 317-318.

[2] من حديث مع جدي وجدتي زياد ولمياء الأتاسي، وعمي خليل الأتاسي.

[3] زودنا بالقصيدة السيد خلوق بن سري الأتاسي.