مفتي حمص

شيخ الإسلام ومفتي الأنام بحمص الشام السيد العلامة برهان الدين ابراهيم بن علي الصغير الأطاسي

مفتي حمص وطرابلس الشام

1122 للهجرة (1710م)-1196 للهجرة (1782م)

 

مفتي الأنام وشيخ الإسلام السيد العلامة الإمام ابراهيم أفندي بن علي الصغير الأتاسي، مفتي حمص المحروسة وابن مفتيها، هو أحد أصغر أبناء مفتي حمص علي الأتاسي، إلا أنه لم يتول الإفتاء بعد والده وإنما انتقلت إليه الفتوى عن أخيه الأكبر عبدالوهاب الأتاسي.  وقد أخبر الشيخ محمد أبو السعود أن إبراهيم الأتاسي بدأ بالإفتاء بعد مدة غير قصيرة من وفاة أخيه، ولا نعلم مَن مِنَ الأشخاص كان قد جلس للفتوى خلال تلك المدة.  كما أننا لا ندري إن كان الشيخ إبراهيم الأتاسي قد درس على أبيه قبل وفات الأخير أو على إخوته العلماء، ولكننا نعلم أنه درس في أزهر مصر وعلى علمائه في وقت كان الأزهر منارة للعلم يؤمها أكثر طلاب العلم لوذعية وقدرة على إستخراج الفوائد.

ولإبراهيم الأتاسي ترجمة في سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للمرادي ننقلها هنا:

"إبراهيم بن علي بن حسين الأطاسي المحتد، الحمصي الحنفي، برهان الدين، الشيخ العالم، الفقيه، الفاضل، الإمام العمدة الكامل، ولد سنة إثنين وعشرين وألف ومائة، وقرأ القرآن العظيم ومقدمات العلوم، وارتحل إلى مصر، واشتغل بالأخذ والقراءة على أجلائها، واستقام بأزهرها أعواماً حتى برع ومهر، وأجاز له شيوخه بالإفتاء والتدريس، وقدم حمص بلدته، ودرس بها، وأفتى، وأقبل عليه أهلها أيام الوزير عثمان بن عبدالله نائب دمشق، وكان من مشاهير فقهاء وقته، وفضلاء عصره، اجتمعت به بمجلس والدي، وسمعت من فوائده، ثم تقلبت به الأحوال، وجرت له أمور أوجبت تكديره وتغريبه، أجَلُّ أسبابها شراسة خلقه وكثرة طيشه، فدخل حلب وقسطنطينية، وفي آخر أمره رسم له بفتوى الحنفية بطرابلس الشام، فدخلها وأفتى بها حتى مات، وبالجملة فقد كان خاتمة فقهاء بلدته الذين رأيتهم، واجتمعت بهم، وكانت وفاته بطرابلس سنة ست وتسعين ومائة وألف"[1].  انتهى

وللعلامة الأتاسي ترجمة كذلك في "دائرة المعارف" للبستاني[2]، وفي "موسوعة الأعلام في تاريخ العرب والإسلام"[3]، للأستاذ الحلفي، وكلا النبذتين أخذتا من كتاب المرادي، وكذلك في "تاريخ حمص" للأستاذ منير الخوري، وفيها ينقل الأستاذ الخوري عن الشيخ العالم إبراهيم بن محمد الثاني بن عبدالستار بن إبراهيم الأتاسي، حفيد إبن المترجم، والآتية ترجمته، سبب تغريب جد والده وكيف كان إباء المفتي إبراهيم سبباً في خروجه من حمص فقال:

"أن أسعد باشا العظم الذي كان يتولى حكم حمص وحماة[4] جرت له ملاسنة مع إبراهيم أسمعه فيها كلمة شائنة استثقلها الأخير ولم يستطع إحتمالها، فأجابه عليها فوراً بكلمة جريئة: (أرى الشرك يقطر من عينيك)، فنقم عليه الباشا وشكاه إلى الصدارة العظمى التي قررت إقالته من الإفتاء.

وشعر إبراهيم بخطورة الموقف، فأمّ الأستانة، وقصد دار المشيخة الإسلامية، حيث رأى مجلساً حافلاَ بالعلماء يبحثون عن مصدر تستند إليه كُلِّفت بها المشيخة من الصدارة.  وضاق ذرع العلماء دون الإهتداء إلى ذلك المستند، فاستأذن إبراهيم بعرض معلوماته، فأُذن له، فذكر وجه الفتوى ومستنداتها وأشار إلى المصادر التي تؤيدها، فروجعت، فإذا بها تؤكد ما فاه به إبراهيم، وأكبر شيخ الإسلام أمره (وهو مفتي الدولة العثمانية الأكبر ورأس الجهاز الديني والقضائي)، ولما عرف من هو والباعث لقدومه، عرض عليه السعي لإعادته إلى الفتوى، فأبى ما دام أسعد باشا يتولى حكمها (أي حمص)، فسعى له عندئذ بفتوى طرابلس فذهب إليها وأقام فيها حتى توفي، وفي طرابلس تزوج بفتاة طرابلسية ورزق منها ابنه عبدالستار جد أسرة الإفتاء في حمص"[5].  انتهى الكلام الذي نورده من "تاريخ حمص".

وكما سبق أن أخبرنا، فإن حصول المضايقة من الحكام والولاة لم تكن بعيدة عن مفتي آل الأتاسي وأعيانهم كما كان الأمر مع علي الأتاسي، والد المترجم، وابن عمه صافي الأتاسي إذا قاما بالوقوف مع سكان بلدتهم والمطالبة بحقوقهم، ولعل ذلك هو السبب ذاته في وقوع المواجهة بين الشيخ إبراهيم والحاكم من آل العظم.  كما أن ذرية هؤلاء تابعوا صمود أجدادهم، كما سنرى، وجاهدوا في سبيل الحق ونصرة المظلوم، ونالوا لذلك ألواناً من التغريب والإحتجاز.

وقد درس على يد الأتاسي أنجاب علماء الشام والحماصنة، ومن هؤلاء الشيخ عبدالحميد ابن عبدالوهاب السباعي الحمصي الشافعي، العالم الحبر الفهامة صاحب التآليف والمصنفات الضخمة، والذي أخذ مذهب أبي حنيفة النعمان عن إبراهيم الأتاسي، ثم تولى إفتاء حمص بعد عزل شيخه وخروجه إلى طرابلس الشام، مع كون السباعي شافعياً، إلا أنه دراسته للمذهب الحنفي على المترجم جعلته أفضل المرشحين للمنصب.  وقد احتفظ السباعي بالفتوى حتى وفاته عام 1220 الهجري (1805م)، وأخبر بكل ذلك العلامة البيطار في مؤلفه المشهور[6]، ثم رسمت الفتوى لإبن شيخه من بعده، عبدالستار الأتاسي. هذا وبالنظر إلى الوثيقة المؤرخة عام 1181 الهجري (1768م) نجد توقيع "فخر الفضلاء والمحققين الشيخ عبدالحميد السباعي مفتي حمص حالاً"، وهذا يدل على أن خروج الأتاسي إلى طرابلس الشام للافتاء بها كان ولا بد عام 1181 الهجري أو قبله، مما يعني أن الأتاسي تولى فتوى طرابلس ما لا يقل عن خمس عشر سنة حتى وفاته، تغمده الله برحمته.  ومن الذين جالسوا البرهان الأتاسي واستفادوا من علمه العلامة المؤرخ الشهير، مفتي دمشق ونقيب أشرافها، محمد خليل بن علي المرادي، صاحب "سلك الدرر" والذي أوردنا ترجمته للبرهان للأتاسي أعلاه، فقد درس عليه علوم الفقه[7].

والمفتي ابراهيم الأتاسي هو أيضاً سبط المفتي محمد الأول الأتاسي، إذ أنه ابن ابنته خديجة الأتاسية.  وهو جد آل العطاسي الحماصنة المنحدرين من ابنيه عبدالغني وياسين العطاسيين، وكذلك جد الفروع الثلاثية، المحمديين والأميينين والسعيديين، والمنحدرين من ابنه عبدالستار الآتية ترجمته.  أما أخوه الشيخ يحي فهو جد آل "الشيخ" وآل "عماد الدين"، بينما كان أخوه المفتي عبدالوهاب هو أصل بيت "نوفل" وبيت "الشيخ يونس".


 

[1] سلك الدرر-المرادي-الجزء الأول ص 18.

[2]  المجلد السادس، ص 25.

[3] موسوعة الأعلام-الحلفي-3أ، ص 228.

[4] وأسعد باشا العظم هو الذي بنى قصر العظم المشهور في دمشق وكذلك خانها الفاخر، ويبدو انه تولى ولاية الشام بعد الحادثة، وقد عرف عنه الجور وانصرافه عن شؤون رعاياه إلى زخرفة البناء والإعتناء بشؤونه الخاصة، وذلك على عكس سابقيه حكام الشام من آل العظم الذي اشتهروا بالكرم والإهتمام بمعاونة الأهالي في أيام ضيقهم كما جاء كثيراً في مخطوطة محمد المكي.

[5] تاريخ حمص-منير الخوري عيسى أسعد- الجزء الثاني ص 374-375.

[6] حلية البشر في أعيان القرن الثالث عشر-البيطار- الصفحات  822-824.

[7] عرف البشام-المرادي- ص ط، في ترجمة المحقق للمؤلف المرادي.