من علماء السادة الأتاسية

أمين الفتوى الحمصية السيد العلامة محمد أمين بن المفتي عبدالستار الأتاسي

أمين الفتوى في الديار الحمصية

1227 الهجري (1811م)-1288 الهجري (1872م)

 

السيد العلامة الكبير محمد أمين أفندي بن عبدالستار أفندي الأتاسي، الإمام الأفخم، صدر علماء حمص المقدم، عالم حمص ومدرسها وأمين الفتوى بها.  أصغر إخوته الثلاثة، وخليفتهم في العلم والتعليم.  هو جد الأمينيين، وله عقب كثير وذرية زكية.  قال فيه الشيخ البيطار في سفره الشهير "حلية البشر":

"الشيخ أمين بن الشيخ عبدالستار بن الشيخ ابراهيم الأتاسي الحمصي، عين الزمان ويمينه، لو حلف الدهر ليأتين بمثله حنثت يمينه، فهو شخص كله كرم وجود، وما من فضل إلا لديه ثابت موجود، موارد معارفه سائغة، وملابس عوارفه سابغة، مع شيمة لو أنها في الماء للطافتها ما تغير، وهمة لو تمسكت بها يد النجم ما تغوّر، وإياد روائح غوادي، كنسيم الروض غب الغوادي.

ولد رحمه الله سنة السبع والعشرين بعد المائتين وألف[1]، ونشأ في حجر والده، وقرأ عليه في المعقول والمنقول، إلى أن صار من خلاصة الفحول، وكان ذا شفقة ومروءة وهمة، وإسعاف للفقراء والمساكين، كثير البشاشة والإقبال على القاصدين والواردين.  وبعد وفاة والده حضر إلى دمشق الشام، وأخذ عن السادة الأعلام، كالشيخ عبدالرحمن الكزبري، والشيخ سعيد الحلبي، والسيد محمد عابدين[2]، والشيخ عبداللطيف مفتي بيروت.  ثم ذهب إلى وطنه الشهير، وتولى وظيفة التدريس بعد والده في الجامع النوري الكبير، في كل يوم جمعة بعد الصلاة، وفي شهر رمضان من ابتدائه إلى قرب منتهاه.  ولم يزل على حالته السنية، إلى أن وافته المنية، غرة ذي القعدة الحرام، سنة ثمان وثمانين بعد المائتين والألف من هجرته عليه الصلاة والسلام"[3].  انتهى ما يمكن نقله عن المترجم في حلية البشر.

ولما عاد الأتاسي إلى حمص وبدأ بالتدريس أصبح مقصد طلاب علم المدينة الأنجاب، يأمون حلقاته ويحضرون جلساته، فتخرج عليه كثير من العلماء والأدباء، ومن هؤلاء الشيخ عبدالهادي الوفائي الحمصي، الشاعر المعروف والمؤرخ المشهور، والذي ترك لنا ثروة من الأشعار والقصائد والتي كانت المرجع الأول في معرفة كيفية الطرق الصوفية في حمص وتاريخها وأذكارها وشيوخها، وقد توفي الوفائي عام 1328 من الهجرة (1909م)[4]، ومنهم الشيخ العلامة سعيد الملوحي (1796-1871م) خطيب المسجد النوري الكبير[5]، ومنهم ابن أخيه الشيخ خالد الأتاسي علامة حمص رحمه الله والذي روى الحديث الشريف عن عمه العالم المدقق كما وجدنا في بعض الإجازات التي صورها ملحقة في ترجمة خالد أفندي الأتاسي.  وفي بعض المستندات المحكمية المؤرخة في الثالث من جمادى الأولى عام 1279 الهجري (1862م) وجدنا الأتاسي ينعت "بجناب عمدة العلماء والمدرسين الكرام السيد محمد أمين أفندي".

وقد تولى العلامة أمين الأتاسي أمانة الفتوى في عهد أخيه الأكبر الشيخ محمد الأتاسي مفتي حمص[6]، وكان لا بد مرشحاً للفتوى من بعد أخويه العلماء إلا أن الأجل وافاه وأخوه الكبير محمد الأتاسي لم يزل مفتياً للمدينة، رحمه الله رحمة واسعة.


 

[1] وفي شجرة العائلة أنه ولد عام 1228 للهجرة (1812م).

[2] هو العلامة محمد أمين عابدين الحسيني، انظر ترجمته في هامش ترجمة العلامة عبدالستار الأتاسي المتقدمة.

[3] حلية البشر-البيطار-ص 341.

[4] تاريخ حمص-منير الخوري أسعد-الجزء الثاني، ص 404، الجذر السكاني الحمصي-الزهراوي-الجزء السادس، ص 208.

[5] أعلام الأدب والفن-الجندي-الجزء الأول، ص 94.

[6] رد المحتار على الدر المختار-ابن عابدين-الجزء 11 (خطبة تكملة الحاشية أو قرة عيون الأخيار لمحمد علاء الدين بن محمد أمين عابدين)-ص 17، وابن عابدين وأثره في الفقه الإسلامي-فرفور-الجزء الأول، ص 355.