جد آل الأتاسي

العالم العلامة السيد العارف بالله علي الكبير العطاسي الأطاسي الأتاسي

جد آل الأتاسي: صاحب كرامة الستر الشهيرة

توفي عام 914 الهجري (1506م)

 

 

جدنا الأعلى، جد الأتاسية قاطبة، السيد الشيخ العلامة العارف علي أفندي الأتاسي، عالم حمص وفقيهها، ولي من أولياء الله الصالحين ومن أصحاب الكرامات المعروفة، والأغلب أنه كان أول من انتقل إلى بلاد الشام من آل الأتاسي، ولعل ابنه الشيخ خليل الأتاسي، وحفيده الشيخ أحمد الأول، قد رافقاه في هجرته، أو لعل أحدهما، أو كليهما قد ولد في حمص.  فإن كانت مدينة حمص محطة العلاء الأتاسي الأخيرة، فإنه بذلك يكون أول من نزلها من آل الأتاسي، وأصبحت موطن ذريته من بعده إلى يومنا هذا. 

 

كان علي العطاسي قبل وصوله إلى الشام في حضرموت، بلد آل العطاس العلويين، ومنها انتقل إلى المدينة المنورة، فإلى تركية، ولهذا لقب بالتركماني، وبقي هذا اللقب في ذريته لأجيال قليلة، وبها عرفه المؤرخون الذين لم يكونوا على دراية بأصله وسبب كنيته الأتاسية أو الأطاسية (وقد ذكرنا أصلهما) لحداثة عهدهم به وبأولاده.  ونعلم أن الأتاسي كان حياً في القرن العاشر الهجري المقابل للقرن السادس عشر الميلادي.  وهو المعروف عند آل الأتاسي بعلي "الكبير" أو "الأكبر" أو "الأول" عند بني الأتاسي تمييزاً له عن ابن حفيد حفيده، الشيخ المفتي علي "الأصغر" أو "الثاني" ابن حسن الأتاسي، فالأول جد آل الأتاسي أجمعين، أما الثاني فهو جد بعض بطونهم، لا كلها، كما ذكر في الفصل الأول، وسنأتي على ذكر ذلك تارة أخرى في ترجمة الحفيد.

 

كان الشيخ العلامة علي الأتاسي عالماً صالحاً ورعاً زاهداً عارفاً بالله تعالى ومن أوليائه.  وعلي الأتاسي هو صاحب الكرامة المعروفة، والتي ذكرها أكثر من مؤرخ في ترجمة حفيده أحمد الأول، ومن هؤلاء المحبي في "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر"[1] والغزي في "لطف السمر وقطف الثمر في أعيان الطبقة الأولى من المائة الحادية عشر"[2].  أما رضي الدين الحلبي الحنبلي، فقد كان أول المؤرخين ذكراً لتلك الكرامة في ترجمته لأحمد الأتاسي فقال:

 

"وجده (أي جد أحمد الأول) علي العارف بالله تعالى، الذي أخبرني عنه الشيخ الفاضل الصوفي محمود صهر سيدي علوان الحموي أنه قد ظهرت له كرامة الأولياء بعد موته، لأنه لما وضع بين يدي الغاسل، انسحبت الخرقة الساترة للعورة شيئاً من الإنسحاب فمد يده وسحبها، بحيث ستر ما كان انكشف منه، رحمه الله تعالى."[3]

أما كرامة العطس في رحم الأم، وحمدُ اللهِ بعدها، فقد حصلت لأحد آبائه الحضارمة من آل العطاس، ألا وهو عقيل بن سالم العطاس، جد آل العطاس أجمعين، وبسببها كان لقب "العطّاس"، وهو صيغة مبالغة من فعل العطس.  وبذلك جرت "كرامة العطس" لأحد أجدادنا قبل دخوله على الحياة الدنيا، بينما وقعت "كرامة الستر" لأحد أبنائه بعد خروجه منها.

 

وقد كان العارف علي الأتاسي شيخا فقيهاً مشتغلاً بالعلم والتدريس.  ومن أصدقائه في مدارسة العلم الشهاب أحمد بن محمد الأنطاكي[4] العالم الصالح الفقيه الذي تولى قضاء وفتوى حلب مدة من الزمن، وعلى يد الأنطاكي درس حفيد الشيخ علي، أحمد الأول الأتاسي، علوم الدين.  ومن تلامذة الأنطاكي أيضاً ابن الحنبلي صاحب التاريخ، والذي أسهب في ترجمة شيخه، فكان مما قال عن الأنطاكي:

 

"وله من التآليف "مناسك" حمله على تأليفه الشيخ الفاضل السالك العارف بالله تعالى علاء الدين علي ابن الأطاسي الحمصي، حين مر عليه بحمص متوجهاً إلى زيارة بيت المقدس في حدود سنة أربع وأربعين وتسع مئة (1536م)، وأخبرني أنه لما مر عليه أنزله في منزله، وصوّمه رمضان عنده، وسأله في كتابته، فامتنع، فأحضر له "الهداية"[5] وشروحها سبعة عليها، فلم يسعه إلا أن كتب ذلك، وجعل مبناه على عبارة "الهداية"، وأضاف إليها فوائد وأشياء، بها حصل تحريرها هذا."[6] 

 

وقد جاء ابن الحنبلي على ذكر العلاء الأتاسي مرة ثالثة حين ترجم لقاضي حماة الشيخ محمود ابن علي بن محمد بن مصطفى التركماني الحسيني الحموي الحنفي، فقال: "وتلمذ في العلم الظاهر للشيخ علي بن الأطاسي الحمصي الحنفي"، ثم عاد فذكر كرامة "الستر"[7].  وإن دل هذا على شيء إنما يدل على أن العارف الأتاسي كان مقصد طلاب العلم يأتونه من المدن الأخرى ليأخذوا عليه.

 

ومن الذين مروا على ذكر "الشيخ الفاضل المسلك العارف بالله تعالى علاء الدين الأطاسي"  العلامة نجم الدين الغزي في كتابه "الكواكب السائرة في أعيان المئة العاشرة"، وذلك في ترجمته لأحمد بن محمد بن حمادة الأنطاكي مفتي حلب وصاحب كتاب "المناسك" المذكور أعلاه، ثم في ترجمته لمحمود التركماني، المذكور أيضاً أعلاه، وقال أن المترجم أخذ العلم على العلاء الأطاسي[8]، والعلامة محمد راغب بن هاشم الطباخ في كتابه المشهور "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" ناقلاً ما قاله الحنبلي عن العلاء الأتاسي وحمله مفتي حلب على تأليف حاشية على "الهداية"، وذلك في ترجمته لذلك المفتي، أحمد بن محمود الأنطاكي، كذلك[9].  

وقد دفن العارف علي العطاسي في حمص في جامع بني الأتاسي، وهو المسجد المعروف الآن بجامع الدحية، وقبره هنالك لا يزال موجوداً كشاهدٍ على التاريخ العريق للأسرة الأتاسية في حمص، والتي عاش فيها من بني الأتاسي سبعة عشر جيلاً منذ وقت علي العطاسي، وحتى يومنا هذا، وقد زرت مسجد الدحية في الأيام الأولى من عام 2002 الميلادي بمعية سيدي الجد والسيد خلوق بن سري الأتاسي سلمهما الله، ودخلنا الغرفة التي فيها قبر العلامة الأتاسي، وهو مقام خشبي عليه نقوش لم نستطع قراءة جميعها لانعدام الضوء، وعليه جلالاتان، إحداهما خضراء قال لي أحد القائمين على المسجد أنها عمرها من عمر القبر، ولعلها دلالة على شرف نسبه، رحمه الله، وفي الغرفة أربعة قبور أخرى هي لأجداد آل الأتاسي، وفي الباحة الخلفية للمسجد مجموعة أخرى من القبور أحدها قبر السيد صالح بن السيد سليمان الأتاسي رحمهم الله أجمعين.


ضريح العلامة علي الكبير الأتاسي في مسجد دحية الكلبي المعروف بمسجد آل الأطاسي


[1]  خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر- الجزء الأول، 185

[2] لطف السمر وقطف الثمر في أعيان الطبقة الأولى من المائة الحادية عشر-الغزي-الجزء الأول، 295

[3] درر الحبب في تاريخ أعيان حلب-الحنبلي-الجزء الأول، ص 281.

[4] المتوفي عام 953 للهجرة.

[5] الهداية: في الفروع للمفتي الشيخ علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفي عام 593 للهجرة، وهو شرح على متن بداية المبتدئ، كتاب شهير له شروح كثيرة منها "معراج الدراية إلى شرح الهداية" للبخاري، و"نهاية الكفاية" للمحبوبي، و"الغاية" للسروجي، و"الكفاية" لمحمود تاج الشريعة، و"فتح القدير" للكمال ابن الهمام، و"نهاية النهاية" لابن الشحنة، و"النهاية" للبدر العيني، و"العناية" للبابرتي، و"مناسك" للأنطاكي كما ذكرنا أعلاه، وشرحه كذلك السيد الشريف الجرجاني، وأبو البركات النسفي، وخرج أحاديثه الإمام الزيلعي، ولخصه ابن حجر.

[6] المرجع السابق-الجزء الأول، ص 115.

[7] المرجع السابق-الجزء الثاني، ص 445.

[8] الجزءان الثاني، ص 99، والثالث، ص 205، على التوالي.  ونجم الدين الغزي هو صاحب كتاب "لطف السمر وقطف الثمر في أعيان المئة الحادية عشر" أيضاً، والذي ترجم فيه لحفيد الشيخ علي، أحمد الأطاسي.  أما "الكواكب السائرة"، فالنسخة التي اطلعنا عليها مليئة بالأخطاء المطبعية أو النقلية.  فمن ذلك أن المحقق نقل خطأً على لسان الغزي أن محمود التركماني، تلميذ العلاء الأطاسي والمذكور أعلاه، كان قد ولد عام 990 للهجرة، والحقيقة أن مولده وقع عام 890 للهجرة، كما ذكر الحنبلي.  كما أنه وصف العلاء الأطاسي "بالحمصي" في ترجمة أحمد الإنطاكي، ثم "بالحموي" في ترجمة محمود التركماني، في حين أنه حمصي كما هو معلوم، وكما هو مذكور في تاريخ الحنبلي، والذي نقل عنه الغزي في كتابيه، "لطف السمر" و"الكواكب السائرة".  والأغلب لدينا أن الكبوة كانت في التحقيق، ولعلها نبعت من صعوبة قراءة النسخة التي جرى تحقيقها، وقلة النسخ المعثور عليها، مما عرقل عملية مقابلة النسخ على بعضها للتحقق وجبر الأخطاء.   

[9] إعلام النبلاء-الطباخ-الجزء 5، ص 551.