أول مفتي في حمص

شيخ الإسلام ومفتي الأنام بحمص المحروسة العلامة الشهاب أحمد شمس الدين بن خليل بن علي الكبير الأطاسي

أول مفتي في حمص

توفي عام 1004 الهجري = 1596م

 

 

مفتي الأنام وشيخ الإسلام العلامة الكبير شهاب الدين أحمد أفندي بن الشيخ خليل بن علي الكبير الأطاسي، عالم حمص ومفتيها المعمر، هو أبو المفتيين الحمصيين الأتاسيين وأول من أفتى في حمص منهم على ما نعلم.  ولا ندري إن كان والده الشيخ خليل وجده العارف الولي علي الأتاسي قد توليا الفتيا في غير مدينة حمص، إلا أن الغالب أن الشهاب أحمد هو أول من نال هذا المنصب من آل الأتاسي في حمص نفسها، إذ لم نعثر على تراجم لوالده أو جده في المصنفات الشامية، خلا النبذة التي أضافها المؤرخون على ترجمة أحمد الأطاسي عن كرامة جده، والتي تقدم ذكرها، وخلا ما ذكره المؤرخون في تراجم أصدقاء وتلامذة جده.  ومن التأييد لذلك قول المترجِمين عن أحمد أنه "تركماني الأصل"، ولا نجد هذا الوصف يلحق بالمترجَمين من أحفاده بعد أن أصبح لوجودهم في حمص قدماً راسخة، دالاً هذا على أن لآل الأتاسي في عهد أحمد الأول حداثة في بلاد الشام.  كذلك نجد مترجمي أحمد الأول يعترفون بعدم معرفتهم بأصل الكنية "الأطاسية"، كما سيأتي، للسبب ذاته.

 

وقد كان الأتاسي من أعلام عصره وعلماء مصره، فقد اشتهر أمره وعلا قدره، وجاءت ترجمته في متون أعظم مصنفات التراجم، ومن هذه كتاب "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" للسيد الشريف العلامة المحبي، من أكبر علماء ومؤرخي العصور العثمانية، والذي استعان في ترجمته للشهاب الأتاسي بما جاء عن الأخير في كتاب "در الحبب في تاريخ أعيان حلب" لابن الحنبلي الذي ترجم للأتاسي كذلك[1]، ومما سمع عنه من أخبار، فجاء في الترجمة التي سطرها المحبي:

 

"أحمد بن خليل بن علي، التركماني الأصل، الحمصي، المعروف بالأطاسي، الفقيه المعمر، الحنفي المذهب، مفتي حمص وعالمها، كان من الصدور الأفاضل، وله في التحقيق الباع الطويل.  أخذ بحمص عن ابن كلف الرومي، وصحبه إلى القدس، وشاركه في القراءة عليه الشيخ عبد النبي ابن جماعة، ودخل حلب، ولازم الشهاب الأنطاكي صديق جده، ثم عاد إلى حمص وقد زاد علمه، وولي بها تدريساً والنظر على مقام سيدي خالد بن الوليد رضي الله عنه، ودخل دمشق فتزوج بأخت مفتيها العلامة عبدالصمد العكاري، ثم سافر معه إلى حلب حين كان السلطان سليمان بها في سنة إحدى وستين وتسعمائة (1553م)، فأعطي بعنايته تدريس الجراعية بدمشق، ثم أعطي الإفتاء بحمص، وبقي يتردد إلى دمشق"[2].

 

وفي كتاب "لطف السمر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر" لنجم الدين الغزي ترجمة للشهاب الأطاسي كذلك، نقل بعضها عن كتاب الحنبلي الآنف الذكر، وكان الغزي من الذين عاصروا العلامة الأتاسي وجالسوه، ، فقال: "أحمد بن خليل بن علي، الشيخ الإمام، المحقق المحرر المعمر، أحمد جلبي ابن الأطاسي"، وذكر توليه إفتاء حمص ثم أضاف على الترجمة: "وبقي يتردد بعد ذلك إلى دمشق فاجتمعنا به مراراً.  وكان فاضلاً صالحاً معظماً.  وكان شيخنا القاضي يترجمه بالعلم والتحقيق، والتفنن في العلوم ويقول: أنه من أقران شيوخه"[3].  

 

وبالإضافة إلى الفتوى في حمص تولى أحمد الأطاسي تدريس المدرسة النورية بالجامع النوري الكبير بحمص كما نجد في وثيقة إثبات نسب آل الشيخ زين البرمي العباسيين الحسينيين الحماصنة، المؤرخة عام 984 للهجرة (1576م)، والتي عليها شهادة وختم "مولانا شيخ الإسلام ومفتي الأنام العالم العلامة الشيخ شمس الدين أحمد ابن المرحوم الشيخ خليل الشهير نسبه الكريم بابن الأتاسي الحنفي المدرس بالمدرسة النورية بحمص"[4].  هذا وللشهاب أحمد مؤلفات في أصول الفقه الإسلامي مخطوطة، ولم أطلع عليها، ولا أعلم إن كانت لا تزال موجودة[5].

 

كان الأتاسي عالماً مقصوداً للأخذ عليه، يأتيه طلاب العلم من الأنحاء ليدرسوا على يديه، ومن هؤلاء العلامة محمد بن أبي بكر بن داوود العلواني الحموي، مفتي دمشق الشام وصاحب المؤلفات الكثيرة، وهو جد والد المحبي صاحب التاريخ، والذي قال في جده هذا أنه "أخذ بحمص عن الشهاب أحمد الأطاسي"[6]، وأخبر بذلك أيضاً المرادي في كتابه "عرف البشام في من ولي فتوى دمشق الشام" في ترجمة محمد محب الدين بن أبي بكر بن داود العلواني المذكور[7].

 

ومن المترجمين للشهاب الأتاسي عبدالرحمن بن حمزة الحسيني الدمشقي (توفي عام 1100 للهجرة) في "الجواهر والدرر في تراجم أعيان القرن الحادي عشر"[8]، والعلامة مصطفى الحموي في "فوائد الإرتحال ونتائج السفر في أخبار أهل القرن الحادي عشر"[9]، وفي العصور الحديثة: الأستاذ أكرم العلبي في "تكملة شذرات الذهب في أخبار من ذهب"[10]، والذي أخذ نبذته عن المؤلفين السابقين، والأستاذ منير الخوري عيسى أسعد في كتابه الجليل الفائدة "تاريخ حمص"[11]، والبستاني في "دائرة المعارف"[12].  أما المحبي فيتابع في ترجمته للشهاب أحمد بعد ذكر كرامة الستر التي حصلت لجده علي الأتاسي، فيقول:

" وبالجملة فبيتهم بيت ظاهر البركة وخرج منهم فضلاء ونبلاء عدة، وكنت أسمع من والدي أن لنا معهم قرابة، والله تعالى أعلم.  وكانت وفاة أحمد صاحب الترجمة يوم الإثنين الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع بعد الألف (1595م) عن نحو تسعين سنة.  والأطاسي بضم الهمزة وبعدها طاء مهملة ثم سين مهملة، ولا أدري هذه النسبة لماذا والله سبحانه وتعالى أعلم." انتهى. 

 

وكان شمس الدين أحمد الأطاسي قد تولى الإفتاء حتى وافاه الأجل، أي قرابة 43 عاماً، رحمه الله تعالى وأكرم مثواه.


 

[1] درّ الحبب في تاريخ أعيان حلب-الحنبلي-الجزء الأول، 280 -281.  وقد قال محققا الكتاب، الفاخوري وعبارة، في هامش ترجمة الشهاب الأطاسي: "وعائلة الأطاسي -الأتاسي- عائلة كبيرة من أصل تركماني، استقرت بحمص وعرفت بثقافة أبنائها وأنجبت العديد من العلماء والسياسيين في سورية"، وقد أخذا بمقالة الحنبلي في الأصل التركماني، كما فعل كل من ترجم للشهاب الأطاسي.

[2] خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر-المحبي- الجزء الأول، 184-185.

[3] لطف السمر وقطف الثمر في أعيان الطبقة الأولى من المئة الحادية عشر-الغزي-الجزء الأول، 293-295.

[4] أسر حمص وأماكن العبادة-الزهراوي-الجزء الثالث، ص 92.

[5] دائرة المعارف-البستاني- المجلد السادس، ص 25.

[6] خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر-المحبي- الجزء الثالث، ص 324.

[7] ص 58.

[8] تكملة شذرات الذهب-العلبي-الجزء الأول،ص 125، ولم يتسن لي الإطلاع على هذا الكتاب والذي أرجح أنه لا يزال مخطوطاً، وقد تواجدت نسخة منه في مركز الوثائق التاريخية بدمشق، والأغلب عندي أن مصدر الترجمة هي كتاب "لطف السمر" للغزي والذي اعتمده الشريف الحمزاوي في ترجمة الطبقة الأولى من كتابه، ولمعرفة المزيد عن المخطوطة راجع "تكملة شذرات الذهب" للعلبي (ص 23-24)، والذي استعان بمخطوط الحمزاوي كمصدر لمصنفه.

[9] الأعلام-الزركلي-الجزء الثامن، ص 65، انظر الهامش..  ويذكر الزركلي أنه وجد الترجمة في القسم الرابع من الجزء الأول أمام صفخة 736 في ترقيم مخطوطته.  ولا بد ان الكتاب لا يزال مخطوطاً.

[10] تكملة شذرات الذهب-العلبي-الجزء الأول،ص 125

[11] الجزء الثاني، ص 317-318.

[12]  المجلد السادس، ص 25.