محدث حمص

محدث الديار الحمصية السيد العلامة عبدالساتر بن محمد أمين الأتاسي

محدث حمص

1255-1327 هجرية = 1839-1910م

 

صاحب الفضيلة الشيخ العلامة عبدالساتر بن الشيخ العلامة أمين الأتاسي، محدث زمانه، وشيخ أهل أوانه، وعالم حمص الشهير، من كانت سيرته أعبق من ريح المسك والعبير، الذي لا يستعصي عليه من المسائل العسير، بل هو لها الكفؤ الجدير، للصعاب كان مذللاً قدير.  ولد بحمص عام 1255 من الهجرة (1839م)[1]، أخذ العلم عن والده وأعمامه العلماء، الذين كانوا في مناهل المعارف كبراء، ونزل دمشق الشام، فتلقى عن أجلة أعلامها الأعلام، وعاد إلى حمص المحمية، وأمسى متفقهاً عالماً مجازاً للتدريس، يشهد بتفوقه كل جليس وأنيس، واستقام له من العلم أصنافه، فأكمل ما بدأه أجداده وأسلافه، وأصبح حلقة للعلم واصلة، على يده رشفات المعرفة حاصلة، وصار يُقصد لمنح الإجازات، يعطيها لذوي الكفاءات، فنهل من معينه كثيرون، منهم أبناؤه الأعلام، وغيرهم من أرباب الأدب والأقلام.

من الدارسين على العلامة المرقوم الشاعر الصوفي محمد شاكر المصري الحمصي، المدرس في مسجد مصطفى الحسيني والمصنف للكثير من المؤلفات، وسيأتي ذكره في ترجمة شيخه محمد المحمود الأتاسي[2].  ومن طالبي العلم الآخذين عليه، والحائزين على فضل الجلسة بين يديه، العالم الصوفي محمد أبو النصر خلف (المتوفي عام 1949م)، رأس الطريقة النقشبندية في حمص، وأحد أعلامها المرادين في بلاد الشام، والمترجم له في أكثر من مؤَلف، وقد أجازه العلامة الأتاسي برواية الحديث بسنده، وروى عن الشيخ خلف جماعة بهذا السند منهم العلامة المحدث الشريف أبو بكر بن عبدالله الحبشي باعلوي الحسيني الحضرمي المكي الشافعي (المتوفي عام 1416 للهجرة)[3].  ومن الذين درسوا على الشيخ عبدالستار الأتاسي ولازموه ورووا عنه الحديث الشيخ العالم أحمد بن يوسف المسدي، إمام جامع القاسمي ومدرسه[4]

ومن الذين تخرجوا على يد العلامة الأتاسي أبو الشهداء الشهير، الشيخ العلامة الشريف، عبدالحميد الزهراوي الحسيني، نائب حمص في مجلس المبعوثان عام 1909م، ورائد النهضة العربية الإجتماعية في وجه تعسف الجمعيات العلمانية التركية، والذي أعدمه الأتراك المتحكمون بالخلافة عام 1916م، إذ أن الزهراوي "تلقى الحديث والتفسير والعقائد على يد محدث زمانه، الشيخ الشهير، عبدالساتر أفندي الأتاسي، وقد أجازه شيخه (الأتاسي) بقراءة الحديث وروايته"[5].

وقد ذكر المترجم الحصني في كتاب منتخبات التواريخ لدمشق عند ذكره أفاضل مدينة حمص وعلماء آل الأتاسي وأعيانهم فقال: "ومن مشاهيرهم العالم الورع الزاهد عبدالستار أفندي بن أمين أفندي"[6].

اشتهر العلامة الأتاسي بعلم الحديث اشتهارا وتخصص به وقصده الطلاب ليستجيزوه في رواية الحديث، وفي الحقيقة أن علم الحديث وروايته لم يكونا من العلوم قليلة الانتشار الخامدة في القرون الأخيرة من العهد العثماني في مدينة حمص كما ظن الكثير، بل على العكس، وقد اشتهر به آل الأتاسي في تلك المدينة خاصة فقد مررنا على سيرة السادة العلماء عبدالستار الأتاسي، وأولاده سعيد ومحمد وأمين، والشيخ خالد بن محمد وأخيه الشيخ عبداللطيف، وكيف كان لهؤلاء أن أخذوا رواية الحديث عن أعظم محدثي عصورهم حتى أن الشيخ خالد الأتاسي كان مشهوراً برواية البخاري مقصوداً من قبل علماء حمص وغيرها من المدائن لكونه صاحب أقصر سند في روايته، وسنأتي كذلك على ترجمة محدث آخر من آل الأتاسي هو العلامة الأكبر محمد المحمود الأتاسي، أما عالمنا الذي نخصص هذه الصفحات له فلعله كان أكثر هؤلاء شهرة في الحديث وعلومه.

ترجم له الزهراوي فقال: "تلقى علومه ومعارفه عن والده وعلماء زمانه في حمص ودمشق.  كان مدرسا للفقه الحنفي والتفسير، خصوصا تفسير البيضاوي فكان له عناية خاصة به، والحديث: شرح صحيح البخاري للعلامة القسطلاني والعيني، وله فيها إجازة عالية، والسيرة النبوية، وعلوم اللغة العربية وغيرها"[7].

هذا، ولدي صور عن بعض المخطوطات التي صنفها بعض كبار العلماء، كان العلامة الأتاسي قد نسخها بيده، منها مخطوط "شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" للعلامة ابن حجر العسقلاني، و"فتح الباقي بشرح الفيه العراقي" لقاضي القضاة شيخ مشايخ الإسلام أبي يحيى زكريا الأنصاري الشافعي.

توفي العلامة الأتاسي عام 1327 من الهجرة الموافق لعام 1910م ودفن في المقبرة الأتاسية بعد عمر طويل من نشر العلم والتدريس رحمه الله[8].


 

[1] الجذر السكاني لمدينة حمص-الزهراوي-الجزء السادس، ص 210.

[2] تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري-الحافظ وأباظة-الجزء الثاني- ص 645.

[3] حمص، دراسة وثائقية-السباعي والزهراوي-ص 299، وبلوغ أماني الأبرار-تركستاني المكي-الجزء الأول-ص 348.

[4] أخبر بذلك الشيخ وصفي بن أحمد بن يوسف المسدي.

[5] عبدالحميد الزهراوي-الحلاق-ص 68.

[6] الجزء الثاني، ص 925.

[7] الجذر السكاني لمدينة حمص-الزهراوي-الجزء السادس، ص 210.

[8] أخبرني حفيده السيد عبدالنافع بن عفيف بن عبدالنافع بن عبدالساتر الأتاسي أن جده عبدالنافع بن عبدالساتر كان عمره 11 سنة لما توفي والده المترجم، وجده السيد عبدالنافع ولد عام 1899، على هذا تكون وفاة العلامة عبدالساتر في حوالي عام 1910م.