مسجد الصحابي الجليل دحية الكلبي المعروف بمسجد آل الأطاسي أو آل الأتاسي:

كغالب الأسر ذات النفوذ الديني في العهد العثماني كان لبني الأتاسي جوامع انفردوا بإمامتها والخطابة والتدريس فيها منذ قدومهم المدينة.  ومن المساجد التي عمرت بعلماء آل الأتاسي جامع الدحية (دحية الكلبي)، وفيه مقام سيدنا الصحابي دحية بن خليفة بن قرة بن فضالة الكلبي، كان من أجمل الصحابة وجها، حتى أن جبريل كان يأتي النبي في صورته، وكان إذا قدم من الشام لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه. 

 

وهذا المسجد هو وقف الأسرة الأتاسية بحمص، توالى علماؤهم على توليه -وخاصة المفتين منهم- والنظر على مقام الصحابي دحية الكلبي منذ أن دفن في ذلك المسجد جدهم الأعلى، الشيخ العارف علي الأكبر العطاسي (نزيل حمص)، ولمدة مئات السنين. 

 

مجموعة من قبور أجداد آل الأتاسي في الباحة الخلفية للمسجد وفي الصدر ضريح جدهم الأعلى العارف بالله علي الكبير العطاسي

 

ولعل العلاء الأتاسي كان أول ناظر لمقام الدحية من السادة الأتاسية، ثم خلفه في ذلك أبناؤه وأحفاده، فقد كان الشيخ محمود بن الشهاب الأتاسي متولياً لوقف الأسرة في أوائل القرن الحادي عشر الهجري (أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر الميلادي) كما أخبر الشيخ أبو السعود، وهو لا بد يشير إلى مسجد الدحية.  وتولى الوقف أيضاً الشيخ محمد الأول بن أحمد بن محمود الأتاسي، ثم الشيخ علي بن حسن بن محمود الأتاسي (انظر السطور التالية)، وخلفهما في تولي الوقف السيد سليمان بن السيد عبدالله بن الحاج باكير الأتاسي كما تدل عليه الوثيقة المؤرخة عام 1179 للهجرة (1766م)، والتي أجاز فيها الحاكم الشرعي (القاضي) للسيد سليمان الأتاسي ضم الأراضي المقفرة الخالية من البناء والمجاورة لمسجد آل الدحية إلى وقف المسجد، وأجاز له البناء عليها، مما يدل على أن السيد سليمان الأتاسي كان متولياً لذلك الوقف.  ولعل صالح بن السيد سليمان الأتاسي خلف والده نظر الوقف والتدريس في مسجد دحية الكلبي والذي توفي عام 1185 للهجرة (1775م)، فقد دفن الشيخ صالح في جامع الدحية عام 1196 للهجرة (1783م). 

 

ثم انتقلت نظارة الوقف بعد ذلك إلى ذرية الشيخ ابراهيم بن الشيخ علي الأصغر الأتاسي -الشيخ عبدالستار بن ابراهيم الأتاسي وأولاده-وتوارثه علماء الفرع السعيدي منهم مع إمامته والتدريس فيه كما تقدم، بينما توارث الفرع المحمدي إفتاء الديار الحمصية، فقد ورد في وثيقة وقف الشيخ عبدالستار الأتاسي أن ابنه السيد سعيد هو المتولي على وقف جده من بعده، وذكر بعد ذلك بقليل في تلك الوصية مسجد سيدنا دحية الكلبي رضي الله عنه أنه يصرف عليه خمسون قرشاً كل عام من ريع الوقف، دالاً على أنه الوقف المذكور، تولاه الشيخ عبدالستار ثم ولده من بعده، الشيخ سعيد الأتاسي.  كما جاء في إحدى الوثائق أن مسجد الدحية هو "الموقوف منذ القديم من قبل الشيخ عادل الأتاسي، بلا سند، وذلك تحت تولية الشيخ تقي أفندي بن مراد أفندي الأتاسي" كما هو مسجل في العقار عام 1932م.  كما أننا سبق وأشرنا إلى وثيقة وقفية الحاج مراد أفندي بن المرحوم سعيد الأفندي ابن الشيخ عبدالستار أفندي الأتاسي الخاصة بجامع ومقام سيدنا دحية الكلبي والمؤرخة عام 1315 للهجرة (1897م)، وذلك في معرض حديثنا عن الأصل العطّاسي لآل الأتاسي، وقد ورث، على ذلك، الشيخ مراد بن سعيد الأتاسي إمامة وتولية مسجد الدحية، ثم تولى ذلك المقام ابناه من بعده، الشيخ تقي ثم الشيخ عادل الأتاسي، فقاما على نظر الوقف وإمامة المسجد.  وقد تولى إمامة المسجد وخطابته أيضا الشيخ زهير بن عبدالرحمن ممتاز الأتاسي في عصرنا.

 

مأذنة مسجد دحية الكلبي

 

ومن أسماء الجامع التي اشتهر بها: جامع "التحيا" وجامع "الأتاسي" وجامع "المفتي"، وذكره محمد المكي في مذكراته تارة باسم جامع "المفتي" وتارة بإسم جامع "علي الأتاسي"، مما يدل على أن المفتيين محمد الأول وعلي الأصغر تقلدا إمامته ونظر وقفه كما جاء أعلاه.  إلا أن محقق الكتاب الأستاذ عمر العمر أشار في نهاية الكتاب (في فهرس الأماكن المذكورة في المخطوط) إلى جامع "المفتي" وجامع "علي الأتاسي" على أنهما جامعان مختلفان وأنه لاوجود لمساجد بهذه الأسماء اليوم في حمص، عازياً ذلك إما إلى هدمها أوتغيير أسمائها، والأخير هو الصحيح، والحقيقة أن مسجد الدحية أو التحيا هو المسجد المذكور مرتين في المخطوط.  كان هذا المسجد مركز نشاط علماء آل الأتاسي وبالأخص المفتين منهم، والظاهر أن وجوده يعود إلى القرن العاشر الهجري، فقد ورد ذكره تحت تسمية جامع التركماني في وقفية الجلبي المؤرخة عام 976 للهجرة (1568م)، وهو القرن الذي بدأ فيه نفوذ آل الأتاسي يظهر في حمص.  ولا يزال قبر علي الأكبر الأطاسي، الجد الأعلى لآل الأتاسي، موجوداً إلى الآن في المسجد ومعه قبور ثلاثة أخرى، ولم أطلع على هوية المدفونين فيها، والأغلب أنهم من أجداد آل الأتاسي أيضاً. 

 


 

مسجد الزاوية:

ومن هذه الجوامع مسجد الزاوية في حي الزاوية، وهو مسجد قديم كما تخبرنا الدرجات إلى مئذنته المبنية من الحجر الأسود البازلتي ومنبره الرخامي، وله حرم خارجي.  ويبدو أن إمامة مسجد الزاوية والتدريس فيه كان على الفرع الأميني، فقد تولى إمامة المسجد الشيخ عاكف بن الشيخ أمين الأتاسي، ثم تولاه الشيخ عبدالفتاح بن الشيخ عارف بن أمين الأتاسي.  وفي هذا المسجد قال الأستاذ محمود بن ياسين الفاخوري أن " من الأسر الشهيرة حوله آل الأتاسي، وقد كانوا يتعهدون بالتدريس والإمامة والخطابة، وقد كان لهذا المسجد شأن في القرن الماضي، إذ كانت فيه المدرسة (الكتاب) الشرعية التي تخرج منها علماء آل الأتاسي، وقد كانوا يقصرون العلم على أنفسهم".  ولعله يعني بذلك أنهم كانوا يهتمون بتدريس أبنائهم في هذا المسجد خاصة دون غيرهم، بينما كانت حلقات علمهم في غيره من المساجد تشمل جميع طلاب العلم على اختلاف طبقاتهم وأسرهم، إذ أننا نعلم أن علماءً وأعلاماً كثيرين من غير آل الأتاسي من مشاهير عصورهم تتلمذوا على أيدي علماء الأتاسيين كما سيتضح في باب التراجم، وكفاهم فخراً أن بعضاً من أكابر علماء العصور الإسلامية تلقوا العلم على السادة الأتاسية، ومن هؤلاء مفتي دمشق الشام وعالمها المشهور، السيد الشريف الحسيني محمد محب الدين بن أبي بكر العلواني الحموي، جد أسرة المحبي وسلف أشهر مؤرخي العصر العثماني، محمد الأمين المحبي، ومنهم محمد خليل المرادي الحسيني، مفتي الشام ونقيب أشرافها ورأس علمائها، وصاحب التاريخ المشهور "سلك الدرر" (المتوفي عام 1207 للهجرة=1794م)، ومنهم الشهيد الشيخ العلامة عبدالحميد الزهراوي الحسيني، أحد أكبر رواد النهضة العربية في أواخر العهد العثماني، ونائب حمص وحماة في مجلس المبعوثان (أعدم من قبل الأتراك عام 1916م)، ومنهم العلامة المحدث المؤرخ محمد راغب الطباخ صاحب التاريخ المشهور "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء"، ومنهم الشيخ المصلح الإجتماعي الدكتور مصطفى السباعي الحمصي الحسني، الناظر العام للإخوان المسلمين في بلاد الشام ومؤسس الكلية الإسلامية بجامعة دمشق وعميدها والنائب البرلماني (توفى عام 1964م).  ومن المتلقين على السادة الأتاسية شاعر بلاد الشام الشهير، السيد الشريف العباسي أمين الجندي، والذي قال فيه الحصني "أنه أخذ العلوم من علماء حمص وكان أكثر انتفاعه من السادة الأتاسيين العلماء الأعلام وكان يميل إليه ابراهيم باشا خديوي مصر لمدحه إياه".  كما أن علماء الأسرة الأتاسية تتلمذوا بدورهم على أشهر علماء عصرهم في دمشق والقاهرة وحمص وحلب والقدس والأستانة كالمحدث الأكبر بدر الدين الحسني (المتوفي عام 1354 للهجرة، 1935م)، ومفتي الشام العلامة محمود الحمزاوي الحسيني، ومحمد عابدين الحسيني صاحب الحاشية المشهورة، ومحمد عبده المصلح الاجتماعي الكبير وغيرهم.  وقد كان للأسرة الأتاسية علاقة صداقة متينة مع مشاهير علماء وقتهم كالشيخ عبدالغني النابلسي العمري الفاروقي القرشي، وهو من أشهر مفتي الشام وصدر العلماء في وقته (1050-1143 للهجرة=1641-1731م)، والشيخ مراد بن علي المرادي الحسيني رأس العلماء في دمشق (توفي 1132 للهجرة، 1719م)، وغيرهم.

 

وأصاب فضلاء آل الأتاسي مديحُ أكابر العلماء والشعراء، فمن هؤلاء على سبيل المثال العلامة الكبير مفتي دمشق الشام الأستاذ العارف عبدالغني بن اسماعيل النابلسي، وشاعر الشام السيد الشيخ محمد أمين أفندي الجندي العباسي، وشاعر حماة الكبير الشيخ الهلالي، وشاعر الشام شفيق جبري، وشاعر العاصي بدر الدين الحامد، والشاعر الكبير عمر أبو ريشة وغيرهم، كما أشاد بفضل أعلامهم أعاظم العلماء والدعاة والمصلحين كإمام الحنفية في عصره فخر الأنام وبركة الشام السيد الشريف محمد أمين ابن عابدين الحسيني صاحب الحاشية، والعلامة الكبير الشيخ عبدالرزاق البيطار، والشيخ الداعية الشهير محمد علي الطنطاوي رحمه الله، والدكتور الداعية الكبير المحقق مصطفى بن حسني السباعي رحمه الله، وغيرهم كثير.

 


 

مسجد الشيخ قاسم الأتاسي ومسجد الحاج سعيد مراد الأتاسي:

 

 

ومن المساجد تلك التي أطلق عليها اسم أحد الأتاسيين مثل جامع الشيخ قاسم الأتاسي المحتوي على غرفة للصلاة، وإيوان، ومستراحاتٍ ثلاث، وفسحة دار سماوية، وكان يلحق بهذا المسجد دار ودكاكين موقوفة عليه تصرفت بها دائرة الأوقاف فباعتها.  ويبدو أن المسجد أحدث عهداً من المسجدين السابقين، وقد ورد في مذكرات محمد المكي وفي الوثائق المحكمية، والمسجد اكتسب تسميته من الشيخ قاسم الأتاسي الذي كان موجوداً قبل قرنين من الزمان وكان له في المسجد كتاب (مدرسة شرعية) يدرس فيه، والأغلب أن الشيخ الأتاسي المذكور هو قاسم بن ياسين بن ابراهيم بن علي الأصغر الأتاسي، جد آل العطاسي الموجودين اليوم، إلا أنه يبدو أن آل الأتاسي لم يتولوا هذا المسجد بالتعليم والإمامة دائماً كما كان الأمر في مسجدي الدحية والزاوية، بل كانت أسر أخرى تتولى هذه الأمور في ذلك المسجد. 

 

مأذنة مسجد الشيخ قاسم الأتاسي بحمص القديمة

 

وفي حمص كذلك مسجد محمد سعيد بن الحاج مراد (بن سعيد الأتاسي) في حي الميدان والذي بناه السيد محمد سعيد الأتاسي عام 1352 من الهجرة (1933م) كما أخبرني سيدي الجد، فمن الذين تولوا خطابته من السادة الأتاسية الشيخ العلامة محمد طيب الأتاسي مفتي حمص عام 1935م.

ومن المساجد التي كان وظائفها على آل الأتاسي مسجد القاسمي، فقد كان عليهم الخطابة فيه (أما إمامته فكانت على آل المسدي)، وممن علمنا أنه تولى الخطابة في ذلك المسجد الشيخ عزت بن الشيخ كمال بن الشيخ سعيد الأتاسي. 

 

 

المسجد النوري الكبير وسجد الصاحابي الجليل خالد بن الوليد

وبالإضافة إلى هذه المساجد التي كانت تابعة لآل الأتاسي كان الأتاسيون يتولون التدريس والخطابة والإمامة في مساجد حمص الكبيرة الرئيسية مثل مسجد خالد بن الوليد والجامع النوري الكبير.  ففي المسجد النوري الكبير كان أول المدرسين الذين نعرفهم من آل الأتاسي هو أحمد الأول بن خليل بن علي الأكبر الأتاسي الذي كان مدرساً في المدرسة النورية في حمص كما ورد في محضر نسب آل الشيخ الزين، وقد كانت وظيفة التدريس في الجامع النوري الكبير على الشيخ عبدالستار بن ابراهيم الأتاسي كذلك، ودرس في المسجد من بعده ابنه العلامة أمين بن عبدالساتر الأتاسي، وتولى التدريس في الجامع النوري أيضاً العلامة الشيخ أبو الهدى بن عبدالساتر بن أمين الأتاسي، وخلفه الشيخ طه بن أبي الهدى الأتاسي فترة معتبرة، ومن أئمة المسجد النوري الكبير من السادة الأتاسية الشيخ زهير بن عبدالرحمن ممتاز بن عبدالحسيب بن علاء الدين بن عبدالقادر بن محمد الأتاسي.

ولعل العلامة أحمد الأول بن خليل الأتاسي درّس في مسجد خالد بن الوليد أيضاً إذ ذكر الحنبلي أنه أعطي التدريس في حمص، وقال بعدها أنه كان ينظر على مقام خالد بن الوليد رضي الله عنه، ثم قام الأتاسي بالتدريس في المدرسة الجراعية بدمشق.  ويبدو أن الدرس في مسجد الصحابي الجليل قد توارثه علماء آل الأتاسي منذ عهد جدهم الشيخ أحمد الأطاسي فقد علمنا أن من المدرسين في جامع خالد بن الوليد العلامة محمد الثاني بن عبدالساتر الأتاسي، وخلّف الشيخ محمد الأتاسي في التدريس في مسجد خالد بن الوليد ابنه العلامة خالد الأتاسي رحمه الله بعد أن عُزل عن الإفتاء كما ذُكر في الوثيقة المؤرخة في العام 1319 للهجرة، كما كان أخوه عبداللطيف أفندي الأتاسي إمام ذلك المسجد، وتولى الخطابة في مسجد ابن الوليد أخوهما الشيخ ابراهيم بن محمد الأتاسي، وورث التدريس في مسجد الصحابي الجليل الشيخ طاهر بن خالد الأتاسي عن والده، وتولى الخطابة أيضاً في ذلك المسجد من آل الأتاسي الشيخ محمد طيب بن عبدالفتاح الأتاسي، وعهد بالإمامة كذلك في مسجد ابن الوليد إلى الشيخ زهير بن عبدالرحمن ممتاز الأتاسي.

 

 


 

جامع آل الأتاسي الجديد وحديقة هاشم الأتاسي:

ويجدر بالذكر أن لآل الأتاسي مقابرهم الخاصة في مدينة حمص يقومون بدفن فقدائهم فيها.  وكلما ضاقت مقبرة أنشأوا واحدة جديدة يتولونها برعايتهم، حتى بلغ عدد المقابر ثلاثاً.   ثم أرادت بلدية حمص ردم المقبرة وتحويلها إلى منتزه عام، ولم يدركوا كم من التراث ينوون طمسه، فالكتابات والأشعار والتواريخ على هذه القبور لهي جزء من تاريخنا العريق، إخفاؤها عن الأنظار لا يليق، فإن نحن محينا معالم التاريخ بأيدينا وفرطنا برموزه بإرادتنا فأنّى لنا بمجد وقد محقنا ما خلفه السابقون؟ 

 

لذا تراءى لكبار الأسرة أنه لا بد من الحرص على حرمة موتاهم -ومن بين هؤلاء المدفونين كبار العلماء والصالحين والوطنيين وأعلام الوطن والأدب والدين- وأنه يندب الحفاظ على تربة أجدادهم مما تتعرض له الحدائق العامة من العبث والإهمال، فقرروا بناء مسجد في تلك الجبانة باسم جامع آل الأتاسي، مع مراعاة تعاليم الدين من حيث بناء المساجد بمحاذاة المدافن، وذلك من دون المساس بمستوى لحد القبور.  وأخيراً صدرت الموافقة من البلدية على بناء المسجد، وأصدر الرئيس حافظ الأسد قبل موته بأشهر قليلة أمراً بتسمية الحديقة التي ستقام حول المسجد، والتي تزيد مساحتها عن ثلاثين ألف متر مربع، باسم الرئيس الجليل هاشم بك الأتاسي، عليه رحمة الله، وبوضع نصب تذكاري للرئيس الجليل.  وتم درس المشروع ووضعت التصميمات على أساس العمارة الإسلامية القديمة ليتناسب ذلك الطابع المميز وتراث الأسرة الديني ومركزها التاريخي بالنسبة لمدينة حمص.  وعرضت التصميمات على مهندسي وزارة الأوقاف للمصادقة عليها فقرر هؤلاء بعد رؤية التصميمات أن هذا المسجد سيكون أحد مسجدين يميزان مدينة حمص المحمية عن غيرها: مسجد خالد بن الوليد الشهير، ومسجد آل الأتاسي.

 

مسجد آل الأتاسي كما تصوره المصممون قبل بنائه

 

وتم تصميم المسجد بحيث يشغل كامل مساحة مقبرة الأسرة القديمة وهي بمساحة ألفين وثمانمائة متر مربع.  سيستوعب حرم المسجد الرئيسي ثلاثة آلاف مصلي فوق 1800 متر مربع، خاصة لتأدية صلوات الجمعة والأعياد، وفي المسجد مصلى للنساء بمساحة 200 متر مربع، ومصلى للصلوات اليومية بمساحة 120 متر مربع.  أما حديقة المسجد فمساحتها حوالي 17000 متر مربع.  وفي المسجد ستقام قاعة مكتبة دينية سيحتفظ فيها ببعض المخطوطات والكتب القديمة التي بحوزة بعض أفراد الأسرة والتي توارثوها عن أجدادهم، ومدرسة لتحفيظ القرآن، وأروقة وباحات وممرات وصحن جامع مكشوف تتوسطه بركة. 

 

نموذج مصغر لمسجد آل الأتاسي، والنموذج موجود في منزول (دار) آل الأأتاسي

 

وقد وزعت كلفة إنشاء المسجد، والتي بلغت المليون دولار (حوالي خمسين مليون ليرة سورية) على آل الأتاسي بحسب إقامتهم في سورية وفي البلاد العربية وفي أوروبا وفي الولايات المتحدة، واشترط أن يكون المتبرعون من آل الأتاسي فحسب، وكان المهندسون المعماريون الذين أشرفوا على تصميم المسجد كلهم من آل الأتاسي وعلى رأسهم الدكتور المهندس نوار بن شحود بن رفيق بن مصطفى بن قاسم العطاسي، وكذلك كان المهندسون المدنيون المشرفون على التطبيق ومنهم السيد المهندس أمين بن حقي بن أمين بن راغب بن أمين الأتاسي.  وأشرف على جمع التبرعات لجنة قوامها السيد محمد خلوق بن محمد سري بن راغب بن أمين الأتاسي والسيد محمد خلوصي بن صالح بن مراد بن سعيد الأتاسي، كما أن عدداً من أصحاب الشهامة والنخوة قد تبرعوا بكل ما يستطيعون كالسيد محمد خلوق بن محمد سري الأتاسي ووالدته السيدة نياز بنت الشيخ ابراهيم الأتاسي، والسيد حيان بن سراج بن  ابراهيم بن محمد الأتاسي، والسيد خلدون بن صالح بن مراد بن سعيد الأتاسي، وبذل بعض الأتاسي جهوداً جبارة للحصول على الموافقات اللازمة وخاصة السيد أحمد نشوان بن صدر الدين الأتاسي الذي كان يسعى للمشروع في دمشق.  هذه الخطوة الحديثة العهد تأتي بمثابة تجديد الأمل في إيجاد وفرة من العلماء في الأسرة وفي إعادة التراث الديني الكبير إلى آل الأتاسي، ذلك التراث الذي فاق الأربعة قرون.

مسجد آل الأتاسي في طريقه إلى الاكتمال